يجب عليك أن تستجمع قدرتك على التركيز، فالسؤال جد ملغز والأمر جد مدهش، إذ ماذا ستفعل إن أنت استيقظت ذات صباح فوجدت نفسك وأنت مازلت ممدا في سريرك وقد تحولت إلى حشرة عملاقة، أو أنك تحسست موضع أنفك فوجدت مكانه مساحة ملساء، أو أن يديك قد رفضت الإنصياع لأوامرك وخرجت عن طوعك، باختصار ماذا يحدث لك إن أنت استيقظت من نومك لتجد نفسك “في” كابوس بدلا من أن تستيقظ “من” كابوس؟! هذا بالضبط ماحدث لجريجور سامسا ـ الذي تحول إلى صرصار وحشي عملاق ذو ذيل مخاطي مقزز يلتصق به وهو يزحف على جدران حجرته وسقفها _في رواية التحول لكافكا، ولكوفاليف_ التعس الذي شردت منه أنفه، ومطاردتة له، ودهشته وهو يراه خارجا من منزل خاص مرتديا بدلة أنيقة مطرزة بالذهب ويركب عربة، وفشله في إقناعه بالعودة إلى مكانه باعتباره أنفه بل ورد عليه بصلف: “إنك مخطىء ياسيدى فأنا نفسي” _في قصة الأنف لجوجول، ولهومر سمبسون_ ذلك الذي أعلنت يداه تمردهما عليه بالقفز بإرادتهما الحرة، فيجلس عليهما خشية أن تفضحانه وتكشفان سره _في رواية يوم الجراد لناثانيل وست. إن هذه الشخصيات الثلاثة_ والتي يبدو جليا تعرضها لذات المأزق الوجودي العبثى _استيقظت لتجد نفسها في عالم الأحلام _الذي يكشف حقيقة الإنسان، وفيه يتعرف على نفسه وتتعرى ذاته_ بدلا من عالم اليقظة الكاذب!. إن لجوء الكتاب الثلاثة كافكا وجوجول وناثانيل للخيال بدلا من العقل، للحلم بدلا من اليقظة، يجب أن يقابله “قبول” فكرة التخيل، و”رفض” فكرة أن الحياة كاملةوأنها دائما منطقية ومعقولة، حتى يمكننا التسليم بأن رجلا قد يصحو من نومه فيجد نفسه صرصارا، أو أن بالإمكان أن تهرب منه أنفه أثناء نومه، أو أن يديه يمكنهما التمرد والعصيان. إن هؤلاء الكتاب مؤمنون بأن الحياة ناقصة، وأن هناك مايستحق التفتيش عنه وراء شكلها المعتاد٬ فاللامعقول عندهم يقوم بالأساس على اكتشاف المخبوء البعيد خلف عقولنا الواعية، والسعى لإرتياد العالم الأكثرعمقا وصدقا وجدة بدلا من ذلك العياني المعتاد الرتيب الزائف، عالم يتعرف فيه الإنسان على نفسه الحقيقية، ويتقابل فيه مع ذاته الحقيقية، فيتمكن من رؤية ماعجزت حواسه عن رؤيته٬ ومن ثم يتمكن من مواجهة إحباطاته والتغلب على عجزه وخوفه.
وتلك لعبة الفن…