أرشيف التصنيف: مقالة أدبية

التناص والاستلهام.. بقلم الأستاذ أحمد طنطاوي/ مصر

التناص هو:
  استدعاء حدث أو خبر يحمل معنًى أريد أن أؤكده وأصبغ نصي (وجدانيًا به) عامدًا..
أريد أن ألوِّن النص بهذا الغمام ليظلل القارىء.. ليعيش المتلقي هذا الهطول، ويحس القطرات وأنا أسرد عليه نصي الحالي.. أنثر عليه عطرًا قديمًا ليشم به عطري الحالي، ويتنسمه جيدًا:
حين أطل القمر، هزت جذع الشجرة بعينيها..
حين رأت ولعه بروحها همت به آملة أن يغطيها سناه..
قال له أنا آتيك بها قبل أن يبرح خيالك موطن لهفتك..
(غلَّقت الأبواب) مثلا هو استدعاء للغواية بمعناها الواسع..
إتكاءً على القصة المعروفة.. نحن ننسى على الفور زوجة العزيز وقصتها مع النبي يوسف عليه السلام، وكذلك قصة سليمان مع الهدد وبلقيس ملكة سبأ، لكن نعيش الأثر فقط على أساس تداعي المعاني والتعميم الشعوري.
هي رموز تحيل إحالات مرجعية تفجِّر شظاياها ورؤاها، وتضعنا في الحالة القديمة تذهب زجاجة العطر وتُبقى العطر فقط يفوح، وهذه غاية التناص:
أن يتنشلنا ليضعنا في باحة مؤثثة بأثاث جو متعمَّد.
  المسألة بالأساس شحنة وجدانية وعملية نفسية تخاطب كلا من العقل اللاواعي والعقل الواعي أيضا استحضارًا للخلفية والجو القديم.
  على شريطة أن يكون الأصل والمرجع معروفًا للكافة أو أغلبهم وعلى أن يكون توثيقًا بشريًا عامًا خالدًا حتى لو كان مسرحية شهيرة، أو رواية لأننا نريد استحضار إيحاءاته وأجوائه، وهذا هو مغزى التناص:
  الاتكاء _ وجدانيًا _ على النص القديم لاستعارة تداعياته الشعورية.
  إن التناص هو تلك الحديقة الغنـَّاء التي نختارها لنضع فيها حبيبن مشوقين، أو تلك الغرفة القدسية المضمخة بالعبق والمسك.. هذه هي مهمة التناص.
أما الاستلهام:
  فهو الإعجاب بفكرة لدرجة أن أعيدها _ كمقولة عامة _ فى صياغة أخرى..
  يعني مثلا مسرحية هاملت تقوم على التردد الفلسفي الحائر والشك: هل قتل الملك أبوه وتزوج أمه؟؟
  إذا أخرجت أنا عملا بأحداث أخرى، لكنه يقوم أساسًا على الفكرة نفسها فهذا استلهام له المعين واحد لكل من التناص والاستلهام (إنما الفرق في طريقة الاستعانة والأخذ) وحدوده :
الكتب المقدسة
الموروث
الأساطير كأوديب وسيزيف وبروميثوس وغيرها
حرب طروادة
حكايات ألف ليلة وليلة وسندريللا والشخصيات الماثلة في الحس الشعبي كشهرزاد وشهريار والسندباد البحري وجحا.
  أكرر الفرق:
  التناص هو ــــــــــــــــــــــــــ استعارة التداعيات الشعورية.
  الاستلهام هو ـــــــــــــــــــــــ اقتباس مجمل الفكرة كلها فى عمل جديد.
  التناص إذن هو حوار نصوص.. علاقة بينها، نص يستعين بأجواء نص آخر ليتلبس النص الأخير روح النص الأول وألوانه.. وعلى هذا فهو بين (نص ونص آخر {أو نصوص أخرى}) فهو إذًا [تفاعل نصي] يقتضي وجود [نص] سابق..
أما ضرب الأمثال في القرآن الكريم، فهو ليس مشاركة نصيه أو تفاعل مع نص سابق بل هو (تمثيل وتجسيد تشبيهي بغرض الفهم)، فهذا المثال في سورة الأعراف:
“مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث” (الآية 176)
  هو تشبيه للتجسيد والتمثيل والتقريب، وليس فيه اتكاء على نص آخر أو استعارة من نص سابق وهكذا باقي الأمثال فى القرآن الكريم.
  التناص أداة جمالية لإضفاء عالم آخر وقيمة مضافة مستقاة من غياهب الماضي لنشر ستارة شفيفية، ونثر عطر خاص على النص الجديد..
  وكأنه وضع لموسيقى تصويرية تساعد النص الجديد على التوهج وجدانيًا، فحين أهيىء للمتلقي استدعاء أجواء نص قديم باستحضار إشارات توحي بذلك مثل:
(هئت لك … قدّ من دبر..
لأنسفن حبك في اليم نسفًا..
وأملهم باسط جناحيه في الوصيد…. إلى أخره)
  فإنما أنا أضع قارئي في الأجواء المشابهة و أوفر على نفسي مجهودًا كنت سأبذله للوصول إلى هذه النتيجة، وتلك الأجواء التي يعطيها النص الأول القديم.
فالتناص إذًا هو الاتكاء على مفهوم سابق يمثل أيقونة ما ويحيل إليها وجدانًيا، وذهنيًا دون الاستخدام الكامل الحرفي والنقل الطباعي، وبحسب “جوليا كريستيفا ” صاحبة المصطلح هو علاقات متبادلة بين نص معين ونصوص أخرى.. تفاعل أنظمة أسلوبية كإعادة الترتيب، والإيماء أو التلميح المتعلق بالموضوع أو البنية والتحويل والمحاكاة.
في قصة قصيرة لي بعنوان “طقس وتميمة” كتبت:
“في البدء كانت اللهفة.. وانعكاسات القمر تطوي الأزمنة الأولى بأناملها السحرية…
هزت بثينة جذع الشجرة بعينيها، فتساقط المطر يغسل رؤاها العذبة ويرتب ما تناثر من ذكراه في روحها المشتتة”.
  ها هنا التناص كان مع الإنجيل وقصة السيدة العذراء كما هو واضح، أي أن التناص “يُستدعى بتداعي المعاني” وبشكل متواري بعكس الاقتباس الصريح الواضح المعلن، فعندما أكتب “هئت لك ” فقط… سيُستدعى النص الأصلي، كل زواياه ودلالاته مباشرة ودون التصريح الاقتباسي..
  حين ألتجىء للميثولوجي الأسطوري أو الديني المقدس، أو الشعري الموحي فإنني فقط أستعير (السماء والظلال) وقوس قزح ألون به خلفية النص.
أي أحقق ملامسة (نص) سابق لأطبع عطوره وعبقه _ ولا أطبعه هو _ على نصي، كما أن وضع الأيقونات والصيغ المعروفة تمامًا للجميع لا تحتاج الى هوامش تُرجعها الى أصولها:
(قال أنا ربكم الأعلى)
(سآوى إلى جبل يعصمني)
(بل ليطمئن قلبي)
(في البدء كانت الكلمة)
  أما الاقتباس الصريح كمصطلح ومفهوم فهو الذي يذكر مرجعه ومصدره:
  “إني لم اؤذ أحدًا بالخداع ولم اجعل أقربائي بؤساء ولم آت بأية دناءة في بيت الحقيقة، ولم أتواطأ مع الشر ولم أفعل الشر”
(الفصل 125 من كتاب الموتى)
  يمكن أن تكون هذه افتتاحية نص.. افتتاحية شعورية تسبق القصة نفسها، ترتبط بها بدلالات قد لا تُرى للوهلة الأولى، لكنها في الحقيقة في صميمها، لكن السرقة طبعًا غير التناص الذي هو أحد التقنيات الفنية المعروفة التى أحيلك بها للأجواء التراثية الأولى لتقرأ نصي في إطارها، كمن بنثر روائح المسك في المكان ليعيش من يحضر أجواء الطهارة، ويستحضر النقاء والخيال ويعود لأيام قديمة ولت، كأن نقول مثلا:
  “حين حكت حكايتها قبل الأخيرة… في الليلة الألف..
  كانت النوارس لسبب ما تهرب في جزع نحو شواطىء من سندس واستبرق علها تسمع قصة غير حكاياها المعهودة”
هذا تناص مع ألف ليلة وليلة كما هو واضح.. أحال للجو النفسي الذي أريد أن تٌقرأ قصتي على أساسه، ومن يلجأون إليه إنما هم ينظرون بالكثير من الاحترام للموروث كأقنوم مقدس مصدرًا ومعينًا، ويقدرون قيمة الاستدعاء النفسي الذي يتصف بالسمة الشمولية والتجميعية والتركيبية والمتتالية كدوائر البحيرة يلقي فيها بحجر.. فحين أقرأ كلمة [واحة] مثلا لا يُستدعى للذهن المعنى الضيق المحدد للكلمة فقط، بل تُستدعى كل الخبرة النفسية والمعرفية والوجدانية والتاريخية أيضًا المتعلقة بالذكريات عن مفهوم [الواحة وكل الأحداث التي في الذاكرة والمخيلة المتصلة بها بمنطق (تداعي المعاني) وانثيالها المتدفق، لذا فالتوظيف التناصي يعتمد على هذه الشبكة من العلاقات الجمالية، والرؤيوية، والمعرفية، والنفسية، استثارة، واستحضارًا، ورسمًا، وخلفية.
  لكن هذه الفائدة لها بالمثل مثالبها، لأنها قد تقيد نصي بالنص المتكأ عليه، وتجعله أسيرًا له إلى حد ما، وتفقده استقلاله البحت حين تلحق به فالمنتصر في قتال اعتمادًا على قوته الذاتية غير المستعين بأداة فى القتال، فتكون هي سببًا للانتصار، فهو بقدر نتيجته المثلى في الإفادة، إلا أنه في الوقت نفسه اعتراف ضمني بالعجز عن الوصول بالقاريء إلى المبتغى بالوسائل الأدبية الذاتية الخاصة، كونه استناد إلى عامل آخر للتصوير كما أنه أيضًا محفوف بالأخطار العظمى:
  ومنها: الابتذال، وكثرة الاستخدام والتكرار للرمز نفسه، فالصور المغرية كثر استعمالها بشكل يكاد بغيضًا فى كثرة وسهولة
  استخدامه كــــــ:
  قدّ من دبر
  وهئت لك
  والصلب
  وسيزيف…. إلى آخره، بالشكل الذي أفقدها توهجها، مما قد يشكِّل معضلة أمام المستخدم الجديد له الخطر الثاني هو المبالغة وطغيان التناص وعدم المهارة في استخدامه في المكان والوقت المناسب فيكون كمساحيق التجميل التي تفسد كثرتها وجه الفتاة.
  وعيوب التناص إذًا _ كما ذكرت _ تتمثل في أن الإتكاء على نص سابق هو نمثيل للعجز عن استحضار الصور العصرية الجديدة، كما أن هذا الاتكاء يتضمن صورًا قديمة وواقعًا مغايرًا لا ينطبق غالبًا _ روحيًا _على الواقع الحالي، وأخيرًا هو يحمل نوعًا من التبعية الفكرية.
الاقتباس هو نقل كامل بين تنصيصتين يحيل لكلام آخر.. ليس كلام الكاتب، وهو يظهر هذا صراحة وينقله كما هو لغرض يخدم النص.
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ)
(في البدء كان الكلمة)
“يناكِ غابتا نخيل ساعة السحر”
  والاستشهاد هو إعطاء معلومات عن مصدر يمكننا الرجوع إليه.
الوظيفة والهدف واحد، الاستشهاد والاقتباس تدليل على سمة (العيرية) وبالتالىي المفارقة _ أي مفارقة هذا الجزء {المقتبس أو المُستشهد به} _ وانفصاله عن النص الأساس.. بعكس التناص فهو [تداخل] النصوص واندماجها وليس ضروريًا أن يقتصر الاقتباس على القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر فقط.. بل هو مفتوح لكافة صنوف المعرفة يمكن الاقتباس منها. أما مسألة الإشارة إلى المصدر من عدمها فهي ليست ذات بال، فمن منا يحتاج إلى أن يُذكر له صراحة أن:
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ)
هي آية فى سورة يوسف تحكى عن امرأة العزيز؟
أو أن (في البدء كان الكلمة)
هي أول الإنجيل” يوحنا “؟
  والحقيقة أن النص الأدبي يفترض قدرًا ولو قليلا من معرفة البديهيات، وكثرة الإحالات والاستشهادات المرجعية للاقتباس المعطى (المستشهد به) سيجعل النص أشبه بالكتاب المدرسي أو الدراسة البحثية التي تعتمد على التوثيق إذا تعددت الاقتباسات.
وهذه المفاهيم:
التناص
الاستلهام
الاقتباس
  تحيل إلى {اللاوعي الجمعي} ليونج الذي هو تأثير متبادل بين الدائرة الذاتية والدوائر الجمعية…
  قال ألبير كامو قبلا هذه الفكرة:
  “إن عصر المفكرين الكبار قد انتهى، وأن أغلب الأفكار الأساسية قد قيل منذ زمن بعيد، وما يحدث فقط هو مجرد إعادة معدلة لهذه الأقكار التي ابتكرها القدماء”.
ما هو إذًا مفهوم الجدة والابتكار في الأدب والفن، وما هو المعيار الذي يقاس عليه التقليد والمحاكاة فيها؟
  إن أغلب موضوعات الأدب _ كما يقول بعض الأدباء _ قد نُقل عن موضوعات سابقة عليها في الوجود، فكثير من موضوعات شكسبير قد نُقل عن ” بوكاشيو” ومآسى راسين عن؛ إيروبيدس” “وسوفوكل”، واشيل عن ” هوميروس”، وجوته في قصته فاوست عن “كريستوفر مارلو”، وبعض أعمال موليير عن “سكارون” ولوب دى فيجا “. وقد اختلف النقاد فيمن يفضلون: أول من طرق الفكرة أم من صاغها بعد ذلك صياغة جديدة وبرؤية أخرى ربما استطاعت تصوير هذه الفكرة تصويرًا أعمق وأكثر نفاذًا في ذهن القارىء؟
ويبدو أن أكثرهم قد اتفق على قبول الجانب الثاني من هذا التساؤل، فالحياة في تدفق مستمر، والرؤى تختلف باختلاف الأماكن والأزمان حتى لو كان الموضوع الذى تتناوله وجهات النظر هذه هو موضوع واحد ينصب في النهاية على الإنسان وعلاقته بالآخرين وبالأشياء، فقيمة العمل الأدبي تكمن في آخر الأمر في كيفية التناول والمعالجة أكثر منها فى ابتكار فكرة واستحداثها..
  إن الآثار الأدبية الإغريقية زاخرة فعلا بأغلب ما يمكن أن يُقال عن المعاني الإنسانية من عشق وكراهية ومناصرة وانتقام ووهن وقوة، ذكرت في ثناياها أخبار الحروب، وعلاقة الإنسان بالقدر والقوى الخفية ذكرًا مستفيضًا، إلا أن هذه المعاني ولمشاعر والعلاقات الإنسانية _ والتىي سبق تناولها _ لا يمكن أن تقبل لسعتها واختلاطها وتشابكها عرضًا وتأويلا واحدًا بأي حال من الأحوال، فهناك أدباء معاصرون أمكنهم أن يروا في بعض شخصيات وأفكار هذا الأدب الموروث ملامح وزوايا جديدة، وأن يعطوها بعدًا آخر، فالكاتب المسرحي “يوجين أونيل” مثلا استطاع في مسرحيته (الحداد يليق بألكترا) أن يجعل هذه الدراما _ التى استعار فكرتها القديمة للعنة العائلة من ” ايسخيلوس” _ قوية، واضحة المعالم، وأن يغدق على بطلته شيئًا من الهيبة المأساوية كما يقول “لويس مارتر”، واستطاع “راسين” من قبله ومن خلال استعمال الإشارات والمشابهات الميثولوجية _ أن يجعل العواطف الملازمة للشخصيات {والمدمرة لها} في مسرحيته [فيدرا] منسجمة مع الأساطير البطولية لعصر سابق من عصور التاريخ الإنساني ما يقول “هنري بيير”.
  لتناول بعض الآثار القديمة وعلاجها من جديد يتمثل فيما قاله “توماس مان” من أن الأسطورة نسق لا زمان لأنها مستمرة الحضور كتذكير دائم بالعود الأبدي للشيء نفسه، لذلك يجوز تصور أبطالها نماذج لا زمانية للوجود الإنساني كرموز تقترح التكرار الدائري للشيء نفسه، ولوضع إنساني مشابه يمكن أن تُعاش ثانية في دلالتها على وضع يدوم خارج المكان والزمان، مع أنه يعبر عنها فى تفاصيل الشخصية الفردية بمكان وزمان معينين.
  وقريب من هذا _ وإن كان ذو اتجاه معاكس _ تناول الحاضر نفسه تناولا يحاول جعله مستقلا أيضًا كالأسطورة، واستقلال الحاضر هنا هو بمعنى إمكان تناوله عدة مرات ومن زوايا مختلفة، فالحدث الواحد في نفس المكان والزمان يمكن رؤيته من عدة أوجه لاختلاف شخصيات وطبائع الممثلين له، ولتباين درجة تأثيره في كل منهم، وهذا ما عُرف بمحاولة تطبيق النظرية النسبية فى الأدب وتتجسد هذه المحاولة تجسيدًا رائعًا في “رباعية الإسكندرية” للروائي لورانس داريل..
  إن الفن عمومًا يبدأ بالمحاكاة والتقليد ويقول “ألكسندر إليوت” في ذلك إن المرء يقلد ويستمر فى التقليد كثيرًا أو قليلا، عن وعي أو في غير وعي، فالفن العظيم يدعو الإنسان دائمًا إلى ممارسة الحرية عن طريق المحاكاة، وربما قصد إليوت أن الحرية هي حرية استعمال الإنسان لعقله وروحه بغرض استلهام تفسير جديد لحدث معروف من قبل، ويبدو أيضًا أن هذا ما كانت تأمل فيه المحاكاة القديمة، حتى وإن لم تدرك ذلك، وبالرغم من كونها جاهدت في سبيل النقل الصارم، فذاتية الإنسان وتفرده لا يمكن أن يفارقانه حتى أثناء النقل ومحاولة التقليد، وفيما يتصل بالاقتباس الصريح، فغالبًا هو متعمد ومقصود، كما في شعر إليوت مثلا الذي ضمنه مقتبسات عديدة من شعراء آخرين، وذلك ليوحي بوعيه الواسع للماضي ويزيد عنه كما يقول “ماثيسن” زيلدة كبرى في مضمونات أبياته، وذلك بالكشف الضمني عن التماثل (وعن المفارقات أيضًا) بين حياة العصر الحاضر وحياة العصور الأخرى.
  التناص أحد مظاهر تماهي الإبداعات داخل منظومة العلاقات البشرية على امتداد العصور القائمة على الحوار وتبادل الخبرات والثقافات والأفكار/ أ. رجاء البقالي نقلا عن الآراء السابقة في تعليق لها على الموضوع.
  كلمة ألبير كامو المشار إليها سابقًا، وفكرة يونج عن اللاوعى الجمعي، إنما هو رسم [عام وشامل] لتناقل الخبرات البشرية عبر القرون لتصبح [إطارًا عامًا] لكنها بالضرورة غير محددة بواقعة معينة متحيزة، أي يجب التفرقة بين المقولات الكبرى والجوهر والأفكار الأساسية:
كالحب
والخيانة
والنضال
والتساؤل
والموت
….. إلى آخره، وهي التي تشمل (مجمل الحياة الإنسانية) منذ البداية إلى يوم القيامة، وبين [تعيُّن] الواقعة فى تجسيد معين:
كتردد هاملت ـــــــــــــــــــــــــــ بالذات
وقسوة الليدى ماكبث ــــــــــــــــ بالذات
وعقوق بنات الملك لير ـــــــــــــ بالذات
وهكذا …..
  أي تمركز هذا المعنى العام (الدائرة الكبرى) فى نقطة صغيرة محددة بذاتها هي التي يُرجع إليها لأستدعي ما لازمها من مشاعر وجدانية أريدها تحديدًا في نصي الجديد، وطبيعى أن الفكرة العامة لن تستدعى هذه المشاعر التى أبغيها، فلا يُقال أن التناص تم مع فكرة الشك والتهور بشكل عام (كمقولة)، بل أن التناص تم مع واقعة عطيل بالذات وشكه في خيانة ديدمونة تحديدًا وهكذا فى باقى التناصات على اختلافها فأنا في الحقيقة لا أستطيع أن أستوعب أن التناص يتحقق مع التجربة الإنسانية بعامة ومع كل الخبرات البشرية في مجملها وشمولها، فهذا تعميم لا أفهمه لأنه لن يستدعي معه المشاعر كما ذكرت، بل سيستدعي الأفكار العقلية [العامة] الملائمة لكل مقولة.

لعبة الفن.. بقلم: صلاح نجم/ مصر.

تشابه عناوين المؤلَّفات وتطابقها بقلم: فلاح العيساوي/ العراق.

  في البدء نحتاج إلى مفاتيح نلج من خلالها إلى أبواب موضوعنا الذي سنخوض فيه، وأول الدخول إليه أطرح السؤال التالي: ما هو التناص والتشابه والاقتباس والمطابقة الحرفية؟
  أولا: تَنَاصَى (معجم الوسيط):) تَنَاصَى القومُ: أَخذَ بعضُهم بنواصي بعضٍ في الخصومة. تَنَاصَى الأشياءُ: اتَّصَلت. يقال: هَبَّتِ الرِّيحُ فتناصَتِ الأغصان. وفي معجم الغني: معنى التناص في الأدب: التَّنَاصُّ في الأَدَبِ: مُصْطَلَحٌ نَقْدِيٌّ يُقْصَدُ بِهِ وُجُودُ تَشَابُهٍ بَيْنَ نَصٍّ وَآخَرَ أَوْ بَيْنَ عِدَّةِ نُصُوصٍ.
  وجاء في موقع البيان كلام للناقد يوسف نوفل: (هناك فرق بين إنسان استولى على نص بأكمله ووظفه توظيفاً كاملاً بحذافيره، فهذا يعتبر أخذاً أو انتحالاً أو سرقةً. ويبين في الصدد، أن التناص هو فعلياً غير النقل أو السطو أو السرقة، ففي التناص يمكن أن يتفق النص السابق في جملة اسم شخص أو حدث ما أو اسم موقعة أو شطر. كما يلفت إلى أن التناص يأتي من فعل «تناص» والذي يدل على المفاعلة، أي تحادثا أو تبادلا الحديث علانية، أي انه ثمة تفاعل معنوي بين النص السابق واللاحق. وعلى صعيد آخر، يؤكد نوفل أن ما قيل بحق وعن أدباء عديدين في هذا القبيل، مثل طه حسين ومحمد مندور، يعد محض اتهامات، إذ إن ما فعله الأديبان من وجهة نظره لا يعد سرقة، فالموضوعات التي كتبوها تدخل في باب الاستيحاء أو التأثر، وليست سرقة).
  أما التشابه فله عدة معاني في قواميس اللغة منها: بَيْنَهُمَا تَشَابُهٌ: شَبَهٌ، تَمَاثُلٌ. تَشَابَهَ الوَلَدَانِ: يُشْبِهُ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ. تَشَابَهَ الأَمْرُ عَلَيْهِ: اِخْتَلَطَ عَلَيْهِ لانْعِدَامِ التَّمَايُزِ البقرة آية 70 إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا (قرآن). تشابهتِ الأمورُ: اختلطت، التبست فلم تتميّز ولم تظهر. قانون التَّشابه: أحد قوانين تداعي المعاني، ويتلخّصُ في أنّ الصّور الذِّهنيّة المتشابهة مترابطة، ويستحضر بعضُها بعضًا في الذِّهن.
  أما ما جاء في معنى الاقتباس: اقتبس منه النار: أخذها منه. اقتبس منه العلم: أخذه واستفاد منه. اقتبس العلم: استفاد منه. اقتبس الأديب: ضّمن كلامه آية من القرآن الكريم أو من الكتب الدينية الأخرى، أو عبارة من الحديث، أو قاعدة من بعض العلوم. اِقْتِبَاسُ أفْكَارٍ مِنْ كِتَابِ كَذَا: أخْذُها وَتحْوِيرُهَا، أيْ نَقْلُها نَقْلاً غَيْرَ حَرْفِيٍّ. اِقْتِبَاسُ مَسْرَحِيَّةٍ: اِسْتِيحَاءُ أَحْداثِها وَأجْوائِها مِنْ قِصَّةٍ أُخْرَى.
  أما معنى التطابق: تطابقَ يَتطابَق، تطابُقًا، فهو مُتطابِق. تَطَابَقَتْ آرَاؤُهُمْ: تَوَافَقَتْ. تَطَابُقُ الصُّورَتَيْنِ: تَمَاثُلُهُمَا، تَسَاوِيهِمَا. تساوي الشكلين الهندسيَّين بحيث ينطبق أحدهما على الآخر انطباقًا تامًّا.
  ونستنتج فيما تقدم ان التشابه لا يفيد معنى الاتحاد حرفيا بين شيئين، أما التطابق فيفيد الاتحاد بين شيئين حرفيا، ومثاله عنوان مجموعتي الحكائية (عودة شهرزاد) تطابق حرفيا مع مجموعة شعرية حملت نفس العنوان، فحين أنني لم أكن أعلم بوجود هكذا عنوان، وهذا أيضا يدل على حدوث التناص وتوارد الأفكار فيما يخص العناوين.
والاقتباس أيضا أمر طبيعي ومتعارف عليه عند جمهور المثقفين ولا غبار عليه فيما إذا أخذ الفكرة ووظفها في شكل وأسلوب مغاير.. أو عندما يقتبس حرفياً يقوم بذكر المؤلف وعنوان الكتاب.
  ومع هذا يحق طرح السؤال: هل تشابه عناوين المؤلفات الأدبية أو غيرها من المؤلفات؛ سرقة. أم توارد أفكار؟
  وقبل الإجابة عن هذا السؤال المهم بودي توضيح سبب هذا الطرح والخوض فيه، حيث ان فكرة هذا المقال جاءت بسبب اختلاف في وجهات النظر لدى بعض الأدباء من الزملاء، وحتى نصل إلى حقيقة الأمر والجواب المنطقي فلا بد من طرح الأفكار المختلفة والأقوال والرد عليها، منها الطرح التالي: (لا يوجد واقعاً تطابق وتشابه في عناوين المؤلفات).
  والحقيقة هذا الطرح بعيد عن الواقع فإن من يطلع على الموسوعات الكبيرة التي ألفت في إحصاء المؤلفات يجد ان عشرات الكتب قد اشتركت في عنوان واحد، ومن هذه الموسوعات كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) لآغا بزرك الطهراني، وأيضا من يطالع كتاب (الفهرست) لابن النديم يجد في أغلب أبوابه مجموعة من المؤلفات التي ذكرها لعلماء عصره قد اشتركت في عنوان واحد… ولو راجعت فهارس مكاتب الجامعات العراقية وغيرها لوجدت الآلف من حالات التشابه وحتى التطابق الحرفي في عناوين الاطاريح العلمية -الماجستير والدكتوراه- وقد يقول قائل ان ذلك العصر لم يكن لدى المؤلفين قدرة على الاطلاع والوصول إلى جميع عناوين المؤلفات وهذا الزمن يختلف، حيث وجود الإنترنت الذي قصر المسافات وألغى الحدود.
أقول: مع وجود الإنترنت والقدرة على البحث في محرك كوكل إلا أن الواحد لا يستطيع الوصول إلى كل عناوين المؤلفات، من بداية عصر التدوين وإلى عصرنا الحاضر. ومن يقول خلاف هذا الكلام فعليه الإتيان بالدليل.
  ثم يحق لي طرح السؤال التالي: (هل يجب علي كمؤلف -عندما يقدح في فكري عنوان لرواية كتبتها أو مجموعة قصصية أريد طباعتها ونشرها- أن أبحث حول عنوانها فيما اذا كان هناك عنوان يشبه أو يتطابق مع العنوان الذي خرج من فكري وتجسد على الورق؟).
  ويتبادر في ذهني سؤال أخر وهو: (إذا قدح في فكري عنوان ما وكتبته على الورقة، ثم فكرت فيه وأمعنت النظر فيما إذا كان هناك عنوان أخر يتشابه معه أو يتطابق حرفيا وبعد التفكير وإعمال الذهن لم أجد في عقلي وجود عنوان أخر، ثم ذهبت وطبعت روايتي أو كتابي وظهر بعد حين وجود كتاب أخر نفس عنوان كتابي ومطبوع قبل كتابي أيضا، فهل أصبح في هذه الحالة سارقا؟).
  وأيضا تبادر إلى ذهني السؤال التالي: (أنت أخي الأديب أنتِ أختي الأديبة وأنتم المؤلفون، هل عندما أخترتم عناوين مؤلفاتكم، ذهبتم وبحثتم في النت أو في فهارس المكتبات وغيرها عن عنوان كتاب مطبوع قد يتطابق مع العنوان الذي اخترتموه لكتابكم؟). سأترك الجواب عن التساؤلات للمخاطبين وللقارئ الكريم.
جاء في مقال على موقع اليوم السابع: ان الناشر سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، يقول: إن تشابه عناوين أي كتب من أجناس أدبية وفكرية واحدة هي سرقة، فإذا كان هناك رواية صدرت ورواية أخرى يحملان نفس العناونين، فيتم النظر لرقم إيداع كل منهما، ويكون صاحب رقم الإيداع الأول في التسجيل هو صاحب الحق، ويعتبر الثاني سارقا للعنوان.
  هنا أطرح تساؤل برئ عما جاء في كلام رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده، وأقول: كيف سمحت لنفسها الجهة المسؤولة عن منح أرقام الإيداع؛ بمنح رقم إيداع لكتاب يحمل عنوان سابق مسجل عندهم؟ أليس من واجب هذه الجهات المسؤولة، عدم منح أرقام إيداع لأي كتاب يتطابق عنوانه مع عنوان كتاب أخر، إذا كان هذا الفعل يعتبر سرقة حسب القانون؟
  وهناك من يقول: يوجد فرق بين كتب الأدب وغيرها، حيث ان كتب الأدب هي نتاج فكري وعنوان الكتاب هو عصارة فكر إبداعي ومن غير الصحيح قبول اتحاد كتابين في نفس العنوان.
  أقول: من غير المنطقي منع وقوع التشابه والتطابق في عناوين المؤلفات الإبداعية، حيث ان العنوان هو عتبة الدخول إلى فحوى محتوى الكتاب، والعناوين صناعة فكر إبداعي قد تأثر عبر القراءات السابقة والاستفادة من القدماء والمعاصرين ولا يمكن فصل العقل عما نحت داخل هذا العقل من معارف هي السبب الأول في تكوين ثقافته المكتسبة، وأدباء السرد يعرفون جيداً ان من المستحيل الوقوف أمام تطابق عناوين القصص القصيرة والقصيرة جداً، ولو تتبعنا عناوين القصص في مجموعة قصصية ما، يمكن أن نطلق عليها المجموعة (أ) ومجموعة قصصية أخرى (ب) سنجد الكثير من حالات التطابق الحرفي بين العناوين.
  ويكثر التطابق أكثر فيما لو كانت المجموعتان تحتويان على (قصص قصيرة جداً) لكون أن القصة القصيرة جداً في الغالب يتكون عنوانها من مفردة واحدة ذات معنى متصل مع النص المكثف… وهذا التطابق الحرفي يستحيل منعه.
وهناك أمثلة كثيرة على تشابه وتطابق العناوين في كتب الأدب منها: (في الأربعينات من القرن الماضي أصدر الدكتور يوسف عزالدين عيسى رواية بعنوان “العسل المر”، وهو نفس عنوان رواية ذائعة الصيت للروائي الإيطالي ألبرتو مورافيا). و(أصدر الروائي الراحل محمد البساطي آخر أعماله الروائية بعنوان «جوع» تلك التي تشابه عنوانها مع رواية النرويجي كنوت همسون «الجوع» التي صدرت في مطلع عشرينيات القرن الماضي). ورواية (الموريسكي للروائي المغربي حسن أوريد، والموريسكي الأخير لصبحي موسي). و(لتوفيق الحكيم مسرحية بعنوان “بيجماليون” وهي تحمل نفس اسم مسرحية “بيجماليون” للكاتب جورج برنارد شو).
  وعن تطابق العناوين في حكم الشريعة الإسلامية: نستطيع ان نفهم من خلال تكرار عناوين المؤلفات بين علماء الدين والفقه الإسلامي بأنه أمر متعارف عليه منذ بداية التدوين وحتى الآن “لا يعد سرقة في الشريعة الإسلامية” وقد بحثت عن هذا الموضوع في كتب الشريعة والأحكام الشرعية ولم أجد شيئا، وما وجدته من أحكام شرعية يخص السرقة الحرفية من متون الكتب وأما التناص والتشابه وتخاطر الأفكار أمور لا تخالف المنطق والعرف ولا تعد سرقة، كما يوجد في قواعد الاستنباط الشريعة ما يسمى بالعرف الاجتماعي، إذ يحكم الفقيه -في مسألة فقهية لا يجد لها في مصادر الاستنباط أصل- بمقتضى العرف، لذا نجد تداول عناوين المؤلفات عند الفقهاء أمر طبيعي، ونأخذ مثلا كتاب (منهاج الصالحين) للسيد محسن الحكيم، أخذ عنوانه الكثير من العلماء، منهم السيد الخوئي والسيد السبزواري والسيد السيستاني وآخرين.
  وهناك مثال أخر، كتاب (مواهب الرحمن في تفسير القرآن) للعلامة عبدالكريم محمد المدرس في أربعة أجزاء وهو ذات العنوان لكتاب العلامة السيد عبدالأعلى السبزواري المطبوع في 14 جزء إلى هذه اللحظة، وقد تطابق هذان الكتابان في العنوان حرفيا وكذلك تطابقا في جنس الكتاب أيضا.
  أن الوسط الثقافي والأدبي تباينت رؤيته بهذا الشأن وحسب استطلاع أجريته مع أساتيذ وزملاء وجدت أن الأغلبية مع القول بحدوث التناص وتخاطر الأفكار، ومع هذا للأمانة أضع هنا جميع الآراء.
يقول الناقد الأستاذ ياسين النصير: (ربما سيكون رأيي مختلف لما هو شائع، شخصيا لا اعتبره سرقة ولا تشابها، دون معرفة المحتوى. إنما العنوان كما يفترض يستخرج من محتوى الكتاب، وغالباً ما يكون المحتوى هو الذي يفرض كلمات العنوان، علينا ان نبحث في العنوانات المتشابهة هل محتويات كتبها متشابهة؟ إذا كانت محتويات الكتب متشابة فلا تعتبر العنوانات المتشابهة سرقة، أما إذا كانت المحتويات مختلفة، فاعتبرها سرقة.
  أما الروائية وفاء عبدالرزاق/ العراق، فتقول: (ليس هناك سرقة أو توارد أفكار فالكاتب الذي يشتغل على العنونة بدقة ويجعلها مفتاحاً لنصه ستكون هي مداخل للمتن. وإذا كان كل كتاب يختلف نصه عن الآخر فكيف تتشابه مفاتيحه؟). وقالت أيضا (العنوان يعتمد على نوعية الاشتغال فإذا يتناول الأسطورة أو التاريخ، هنا مجرد التعامل مع الاسم ستجده متشابها. لكن إذا كان عنوانه هو ضمن مقطع من قصيدته أو نص من روايته لا يمكن أن يشبهه أحد).
  أما الروائي عامر حميو/ العراق، يقول: (إذا عددنا تناص عتبة العنوان سرقة فهي انحراف لجاهل يمتلك قدرة الرسم بالكلمات لكنه لا يعرف شروط الإبداع.
وإن عددنا التناص توارد أفكار، فالتوارد لا يأتي إلا بمسبب وخز الذاكرة سابقا واستدعي مخزونها لاحقا فصار التناص، وهو بهذا يعرف أو يشك بأن عتبة هذا العنوان استخدمت من آخر وأصر على استخدامها، وبهذا رجعنا لموضوعة الانحراف، وعدم امتلاك شروط المبدع).
  أما الشاعر يحيى السماوي/ العراق، قال: (وجهة نظري: العنوان لا يُعتبر نصّا، فهو بمثابة الإطار لصورة النصّ. تماثل العناوين يمكن أن يكون توارد أفكار أو وليد تماثل الحدث والتجربة.. فعنوان مثل “مذكرات سجين سياسي” قد يكون القاسم المشترك لعدد من المؤلفات لمؤلفين من بلدان مختلفة ولغات مختلفة. السرقة تكون في تماثل النص تماثلاً نصيا أو شبه تماثلٍ نصّيٍّ حرفي – وهذا يكثر في الشعر).
  وأما الدكتور مختار أمين/ مصر، قال: (العناوين بالذات توارد خواطر، ولا يقام عليها حق قانوني على مستوى العالم، لأن أصل العنوان الأدبي بوابة دخول لموضوع به فحو خاص، متن بعينه، فالسرقة في المتن والفحو، لأن كثير من الأبواب تتشابه في منظرها الخارجي، أما ما هو داخل الأبواب فهو خاص بأهله، فالطبيعي أن يختلف).
وأما الناقد الأكاديمي الأستاذ محمد المياحي/ العراق، قال: (فيما يخص ما يطرح ان التشابه في عناوين المؤلفات الأدبية أو غيرها سرقة، أم توارد أفكار؟
لا يمكن أن نغفل ان العملية الإبداعية برمتها هي تجربة تتكأ على تجارب وهي نتاج فكري تناصي ولو بنسبة في واعي أو غير واعي؛ وعليه؛ المحاكاة (التشابه) في العنونة لا تعد سرقة شريطة أن تكون مادة المتن مختلفة طرحا وأسلوبها وفكرة، فالعنوان أيقونة مطروحة في عجينة المعجم، وهي تقابل المصطلح الضابط للمفهوم وكيفية ومخالفة ما يقع تحت هذا العنوان مما يطرح في النص، إذن هي دلالةَ سيميائية (إشارة) لمضامين أوسع يحق للكل طرحها تحت هذا المفهوم).
  وقال الشاعر والروائي محمد سعد جبر الحسناوي/ العراق، (توارد العناوين وارد جدا خاصة للذين يشتغلون في الوسط الأدبي, ولكن هذا لا يعني أن نغض الطرف عمّن جاء عنوانه مشابها لعنوان سبقه, ففي كل الاعتبارات نحسبه قد أتكأ على من سبقه, وفي حالة اعتباره توارد وأنه لا يعلم بمن سبقه فعلى دار الكتب والوثائق أن لا تعطي الموافقة على العنوان المشابه لمن سبقه).
  وجاء في مقال على موقع صحيفة الراكوبي: (يُعرف د. محمد عبد الرافع، توارد الخواطر على أنه نوع من الاتصال الفكري والروحي بين شخصين -وربما أكثر- ونجده على نطاق واسع في الموسيقى والأدب والفكر السياسي والاجتماعي، بل أنه ينتشر في الحياة العامة على نطاق واسع، وفي بعض البحوث العلمية قبل عصر المعلومات وسرعة انتقال المعلومة، نجد كثيراً من العلماء توصلوا لنفس الاكتشافات بنفس الطريقة، في نفس الوقت.
  ويواصل د. محمد قائلاً: وهذا التوارد نجده في الفنون وخاصة الشعر منذ قديم الزمان، وقد يختلف الناس حول تسمية التشابه هذا، فالبعض يعرف التشابه في المنتوج الإبداعي على أنه توارد خواطر، وفي درجة أخرى يسمى اقتباساً، أما في آخر درجاته فيسمى سرقة أدبية، وربما يحدد نوع التسمية الزمن الذي تم فيه إنتاج العمل ذي الدلالات المشتركة، وبعد ذلك تأتي مقدرة الشاعر -إذا أخذنا الشعر كمقياس- على النظم بعيداً عن شبهة الاقتباس:
*يقول أمرؤ القيس في معلقته:
وقوفاً بها صحبي على مطيهم
يقولون لا تهلك أسىً وتجمل
ويقول طرفة بن العبد:
وقوفاً بها صحبي على مطيهم
يقولون لا تهلك أسىً وتجلد
  فرق التوقيت: ونرى بوضوح أن الاختلاف في النص كان في حرفين فقط، وفي الدلالة المعنوية كان التطابق كاملاً، ومن المعروف أن الشاعرين عاشا في فترة زمنية متقاربة حتى أن بعض الباحثين يؤكد أنهما عاشا في نفس الفترة دون أن يلتقيا، ومن المسلم به كذلك أنهما من فحول شعراء العرب، إذن هما ليسا بحاجة للاقتباس وبالتالي تنتفي شبهة السرقة مهما كانت، ويبقى الأمر توارداً للخواطر).
  أما القانون فهو لا يجرم الفعل المنضوي في دائرة المباح عقلا، وهو متعارف كما في الأمثلة السابقة وقد سألت ابن العم المحامي حسين العيساوي عن رأي القانون العراقي بهذا الخصوص، فأجاب: (تعد الحقوق الفكرية من بين أكثر الحقوق انتهاكاً. ويغلب الظن لدى الجمهور الثقافي أن حقوقهم المتصلة بنتاجهم الفكري غير محمية. وهو ما يسهل للمعتدي تكرارها دون خشية من العقاب ولكن في الواقع الحماية الفكرية محددة بقانون وهو “قانون حماية حق المؤلف رقم (3) لسنة 1971م والمعدل”. ولكن تشابه العناوين وتطابقها بين مؤلف وآخر لا يعتبر بحد ذاته جريمة ألا إذا شمل ما جاء في نص المادة (3) من القانون وهي (تشمل الحماية عنوان المصنف إذا كان متميزاً بالأصالة ولم يكن دالا على موضوع المصنف) وتفسير هذه المادة يعود لنوع الجريمة وجسامتها وكم هو حجم الفائدة المعنوية والمادية التي تحصلّ عليها المنتهك للعنوان بعد أن يتم التأكد من أن العنوان يدخل ضمن شروط المادة (3) من القانون).
  وحسب علمي لم أسمع بقضية رفعت إلى المحاكم العراقية بهذا الشأن، وقد سألت بعض الحقوقيين عن وقوع هكذا قضية وأجابوا بالنفي.
  ثم كما قلنا سابقًا لو كان القانون يجرم تطابق العناوين وتشابهها، لكان من واجب الجهات المانحة -الجهات الرسمية في جميع الدول التي تمنح الرقم المحلي والجهة الدولية التي تمنح الرقم -“ISBN” أن تكون هي المسؤولة والرقيب على هذا الموضوع ولا تمنح أي رقم يجيز طباعة كتاب يطابق عنوانه عنوان سابق، وعلى هذا يجب أن تتوحد قواعد المعلومات لدى هذه الجهات ويصبح العالم في هذا الشأن دائرة واحدة.
وقبل الختام أضع السؤالين الذين طرحتهما على الدكتور عبدالوهاب الراضي رئيس اتحاد الناشرين العراقيين، وجوابه عليهما.
  السؤال الأول: هل تشابه عناوين المؤلفات الأدبية أو غيرها؛ سرقة. أم توارد أفكار؟
– بالنسبة لسؤالكم الأول: ممكن يكون توارد خواطر إذا أخذنا بحسن النية، وحتى في هذه الحالة أن كان المؤلف على معرفة بالعنوان أي أن العنوان قد استعمل سابقاً من قبل كاتب أخر فعليه أن لا يجعل عنوانا ما يكتبه مشابها لما كتبه الآخرون، فهناك مساحة واسعة لاختيار العنوانات المناسبة. أما إذا لم يكن يعلم بوجود عنوان مشابه لما كتبه فهو معذور ويأتي من باب توارد الخواطر.
  السؤال الثاني: هل من الواجب على اتحاد الناشرين البحث في عناوين الكتب قبل منح الرقم الدولي، حتى لا يقع التطابق والتشابه في العناوين؟
– بالنسبة إلى إعطاء الرقم الدولي لا يمكن أن نشترط عليه ذلك، لأن المعيار لا يعتمد فقط على العنوان، إنما؛ اسم المؤلف/ الموضوع/ عدد الصفحات/ تصميم الغلاف… وفي حالة تشابه هذه الفقرات لا يمكن إعطاء نفس الرقم وهذا مستحيل.
وأعتقد جازمًا لو كان عالميًا يوجد قانون دولي يمنع تطابق العناوين لتوحدت الدول ووضعت آليات صارمة بهذا الشأن، لكن كون هذا الأمر مباح عالميًا فتركت هكذا إجراءات مفترضة.

المجتمع العربي وإشكالية المفاهيم ..بقلم:سامية البحري/تونس

المجتمع العربي وإشكالية المفاهيم:
في القلب جوهرة أسميتها “صداقة”
الصداقة تنحت للفرد سبيلاً مضيئة
وتساعده على تخطي العثرات.
هي أحداق ملاك تسكب فيها وجعك وألمك فتمتصه
وترسل إليك بخيوط من نور .
تتسلقها فتطير بك بعيداً حيث الصفاء والنقاء.
الصداقة آذان لا تعرف الكلل وهي تصغي إلى أوجاعك.
وإذا سكبت فيها أسرارك تطوقها بأسوار من فولاذ.
الصداقة بلسم يشفي روحك إذا اعتلت.
ومقل تخيط جرحك بأهدابها فيتوقف النزيف.
والصداقة أس كل المفاهيم السامية
والقيم الإنسانية.
فإن تحققت، هطلت كل المعاني التي
تجعل من الإنسان إنسانا.
فالحب والرحمة والعطف والتضامن
كلها تخرج من رحم هذا المصطلح.
كما أن مصطلح الصداقة يحمل في جوفه شرطه الذي يتحقق به وهو
الصدق.
فإذا غاب هذا الشرط الضروري كضرورة الماء والهواء، سقط مفهوم الصداقة في كليته.
فانظر إلى حياتك كيف تكون؟
لو كانت تدور في هذا المعادلات الممكنة:
*المؤسسة الأولى : الأسرة
الأب = صديق
الأم =صديقة
وهكذا يكون الأخ وتكون الأخت
*المؤسسة الثانية: المدرسة
المعلم = صديق
الرفيق = صديق
*المؤسسة الثالثة:العمل
صاحب حرفتك = صديق
رئيسك في العمل = صديق
* المؤسسة الرابعة: الزواج
الزوج = صديق
الزوجة = صديقة
وهكذا يكون الابن وتكون البنت
هذه المعادلات الممكنة قادرة على تخليص المجتمع العربي من الصراعات الداخلية والعنف المفضي
إلى القضاء على كل أشكال المدنية.
أيها العربي :
إن أزمتنا الحقيقية هي أزمة مفاهيم ويؤسفنا أن نقر ذلك لأن الحضارة العربية تأسست على القيم الأخلاقية والمعرفية والعلمية والفنية والأدبية.
ودستورنا المقدس “القرآن ” نص على هذه المفاهيم ودعا إليها.
وقد كان فيه خير قدوة من قصص الأنبياء والمرسلين.
فكيف تدحرجنا إلى الحضيض؟؟

قضيتنا النائمة في مقام سيدنا الولي..بقلم:محمد الشطوى/مصر

قضيتنا النائمة في مقام سيدنا الولي

طائرنا دائمًا عاجزاً وطائرهم دائمًا محلق ..
لماذا؟ ..
لأن طائرنا يعتمد على هواء أفواهنا الفارغة وعلى صدى حناجرنا الأشد فراغاً..
أجنحة طائرهم من صلب،وقوته من نتاج علم وفكر وتخطيط ،أما طائرنا المضحك المبكي فأجنحته من كبسة الخليج ومقلوبة فلسطين وملوخية مصر وكسكسي شمال إفريقيا…ولا تنسوا فتة السودان ، وفتوش الشام، وقات اليمن.
وهكذا ضاعت القضية برمتها، ومعها الشعوب بعظمة جهلها بقوتها وحضارتها.
طيَّـرَ كرامب طائر سعده ،فرأينا فيه طائر شؤمه..ومع علمنا ويقيننا بأنه ( لا طائرة ولاهامة)
ولكن في القضية( حهاد ونية)
فياقوم- كبارًا وصغاراً. رجالًا ونساءاً، محبين وكارهين – فتشوا عن النوايا هنا وهناك.
القضية ليست كما تظنون في عربة كاديلاك..القضية نائمة في مقام سيدنا الولي.

إناث ولكن..مقالةأدبية..بقلم:لبنى شعبان

إناث ولكن!

من منّا تقضي معظم وقتها أمام رفوف الكتب المتراصة في المتاجر والمكتبات العامة محتارةً بين المواضيع وأسماء المؤلفين تماماً كالمدّة التي تقضيها أمام واجهات محال الألبسة الجاهزة وأدوات الزينة والمجوهرات؟

أكثرنا معشر النساء لا نتوانى عن إعلان غضبنا وحنقنا على هذا القدر الذي خلقنا إناثاً أمام رجالنا. دون أن نصدق في أي كلمةٍ نطقناها. نحن نتشكى وننعى قلّة أخذنا على محمل الجد من قبل ذكور عصرنا. نتململ عدم تحملهم لمسؤولية وعودهم أو لعدم تعاملهم معنا باحترام ومهنية كاملة.

لكن وبالمقابل ولنرمي بالميكروفون جانباً، فهذا الحديث غير مخصص لوسائل الإعلام. ولاهو مكرّس لجلد الذات. هو لا يتعدى كونه محاولةً لنقل صورةٍ تجريدية عن الواقع دون أي فوتوشوب، أو تحوير أو عمليات حق للبوتوكس.

هل قامت أيٌ منّا بجرد عدد السّاعات والدقائق التي تقضيها أسبوعياً أمام مرآتها في تصفيف خصلات شعرها. وتقفي خطوط الشّيب البيضاء فيه؟ أو في البحث عن لون الصباغ الذي سيجعله أكثر تحدياً مقروناً بتسريحة مستفزةٍ ومثيرة للجدل للدلالة على تغيير جذري من نوعٍ ما؟ كم من الثواني قضينا في تتبع ولادة أول التجاعيد الدقيقة واستنفرنا معها سعينا الحثيث لحاربتها مهما كلّفنا ذلك من ثمن؟

كم من أحلامٍ سرقتنا في البحث عن ملابس بألوانٍ تبرز بشرتنا وكأننا بُعثنا للتو من نبع شبابٍ دائم؟ وكم حرصنا على أن تبرز قدّنا وكأننا آلهةً إغريقية أفلتت من آلةٍ من آلات الزمن؟

كم هو الزمن الذي نقضيه فعلياً في تنمية عقولنا وأرواحنا وقدراتنا المهنيّة في القراءة والبحث والتدريب؟

وهل في هذا الزمن الغريب يتوجب على الأنثى أن ترمي بأنوثتها عرض الحائط ثمناً لإثبات قدراتها وطاقاتها العقلية؟ أم لأننا وُلدنا في عهدٍ غريب محكومٍ بغالبيةٍ من الذكور لا الرجال. والذكور لا يفقهون الفرق بين الاثنين.

 

الأوفر حظًّا . نصّ نثري ..بقلم:محمد المسلاتى/ليبيا

محظوظة الأمكنة التي تتلقفكِ منذ الصباح حتى آخر الليل. .
  محظوظ الفراش الذي ينفسح لجسدكِ ، ويغفو على طراوته كي ينام . .
محظوظة أحلام تتنزه في حدائق مناماتك ، مسيّجة بارتعاشات جفونكِ . .
محظوظ الهواء حين يتعطر بأنفاسكِ ، ويثمل بأريجكِ . .
محظوظ الكلام عندمايتهيء مصطفًا في انتظار تراتيل نبراتكِ ..
محظوظ النبض المتموسق مع إيقاعات قلبكِ يعزف سمفونية الحياة . .
محظوظة أواني المطبخ في استكانتها لأنامل يديكِ ، منتشية بنعومة ملمسها ..
محظوظة كلّ ليلة يغازلك قمرها بضوئها خلسة، وتستعيرنجومها بعضًا من ألق عينيكِ ..
محظوظ عطر يستنشقكِ بشراهة عبقه عند انسكابه ليضوع متخللًا مساماتك متوغلًا في تفاصيل اللحظات ، ويشي بكِ حين الغياب . فتصيرين أنتِ عطرالأمكنة حيثما تكونين ،
محظوظة فساتينك المتسابقة على مشاجبها في انتظار أيٍّ منها يفوز برقصةحفل تتويج قوامك الأجمل بين الأنيقات . .
محظوظ ظلكِ الذي يتعقبكِ ، يدور حولكِ مع شموس النهارات ، وينكسر انحناءً لكِ أينما اتجهت..
محظوظة أوقات تضبط عقارب ساعاتها على تواتر زمانكِ ..
محظوظة الأرض في دورانها وهي تراقصكِ ابتهاجًا ، واحتفاءً بانبلاج النهارات المضيئة حينما تتطلين . .
محظوظة الصباحات المشرقة بشمس ابتساماتك المتناثر بللورها عند موانئ شفتيكِ ..
محظوظة المواسم المنتشية بعبوركِ البهي على مدارات فصولها المتعاقبة . .
محظوظة شتاءات مكتظة بغيومها تستجدي دفء وهجكِ .
محظوظ المطر المنهمر بقطرات شفافة استعارها من صفائك اللامتناهي . .
يا غزالتي البريّةالراكضة في صحراء القلب ، لكِ تنفتح جميع المساحات ، وتمتد المسافات
وتخضرّ حقول ، وتزهر بساتين ، وتتزين من أجلكِ أسراب الفراشات..
أعترف بأن كل الأشياء التي حولكِ محظوظة، وجميع التفاصيل التي تحتويكِ محظوظة إلى حد الجنون ، لكنني أدرك في الوقت نفسه بأنني الأوفر منها حظًّا ، والأكثر جنونًا ، لأنكِ ، لأنكِ حبيبتي .